إشكالية المؤتمر
تقوم بين اللغة والتربية علاقة وثيقة شدّت إليها انتباه المفكرين والفلاسفة والعلماء عبر العصور، ورغم الاهتمام البارز بهذين المجالين، والمتزايد مع التقدّم الذي شهدته مناهج العلوم الإنسانية وموضوعاتها في القرن الماضي، وما زالت تشهده إلى اليوم، فإنّ أغلب إشكاليات هذه العلاقة بينهما لم تتّضح بعد، وهذا ما يجعل باب دراسة الموضوعات المشتركة بينهما مفتوحاً على مصراعيه، وقابلاً بطبيعته لاختبار المزيد من الفرضيات والنظريات التي تحاول فهم العلاقة بين الحقلين، والوصول للنتائج التي يمكن أن تؤثّر في تطورهما وفي توجيه المسارات التطبيقية لهما، كالتعليم والتنشئة الاجتماعية وتطوير مهارات الأطفال اليافعين وتنمية أنماط السلوك.
ويميل اليوم عدد كبير من العلماء في المجالين (علماء اللغة وعلماء التربية) إلى الاعتقاد بأنّ الإشكاليات النظرية والتطبيقية القائمة بينهما، إنما تعود إلى ارتباطهما الشديد بعنصر واحد مشترك هو التفكير، فاللغة وعاء الفكر وصانعه والوسيلة الأكثر استخداماً في التعبير عنه، كما أنّ تطوير التفكير وتنميته لدى الكائن البشري، وخصوصاً في سنواته الأولى، يعدّ الغاية الأساسية في عملية التربية.
أما من جهة ثانية، فقد أدّى تطوّر علوم الإنسان خلال العقود الأخيرة، وخصوصاً علم النفس العصبي وعلم الدماغ، إلى إحداث تغييرات جذرية في طبيعة المناهج والموضوعات التي ترتبط بدراسة التفكير البشري، أو تلك التي تدرس نشأة الظاهرة اللغوية وتطوّرها، وبناءً عليه فقد كانت التربية أكثر المجالات تأثّراً بهذه التغييرات، ولاسيما في جوانبها التطبيقية أو الإرشادية أو التعليمية أو الإنمائية.
بناءً على ذلك، ونظراً للحاجة الكبيرة إلى مواكبة هذه التطورات التي يشهدها حقلا اللغة والتربية، سواء على مستوى البحوث النظرية الأكاديمية كانت أم على مستوى التطبيقات في المجال التعليمي، تنظم جامعة إغدير الحكومية بالتعاون مع أكاديمية ريمار التركية مؤتمرها الثاني حول اللغة والتربية وقضاياهما المشتركة، وتسعى إلى استقطاب آخر الأبحاث والآراء المستجدة في المجالين، كما تهدف الجامعة من خلال هذا المؤتمر إلى تأسيس قاعدة بحثية موسّعة تشتمل على الدراسات والأوراق العلمية التي تركز على تطوير التطبيقات المشتركة في الحقل التربوي التعليمي عموماً، وفي الحقل اللغوي خصوصاً.
وتدعو إدارة المؤتمر جميع المهتمين من باحثين وأكاديميين وأساتذة جامعيين، المتخصصين بالتربية أو اللغة، أو بالعلاقات القائمة بينهما، للمشاركة في هذا المؤتمر وتقديم ما يسهم في تكوين رصيد علمي لكل المهتمين بهذا الميدان، وذلك ضمن إطار منهجي وعلاقة تفاعلية ينظمها ويشرف عليها الفريق البحثي للمؤتمر.